اجتازت إسبانيا عقبة جديدة في طريقها نحو تحقيق لقب يورو 2024، وذلك بعدما أقصت فرنسا من نصف النهائي لتبلغ المشهد الختامي للبطولة التي أحرزت لقبها في ثلاث مرات سابقة لتنتظر الفائز من إنجلترا وهولندا في قمة أخرى غدًا.
ونجح الإسبان في قلب تأخرهم أمام الديوك الفرنسية بهدف مبكر لراندال كولو مواني، وذلك بعدما سجل لامين يامال وداني أولمو هدفين متتاليين سريعين قبل أن يصل الشوط الأول إلى دقيقته الخامسة والعشرين.
إسبانيا تنقذ مصيرها
كان موقفًا صعبًا ذلك الذي مر به المنتخب الإسباني بعدما تلقى هدفًا مبكرًا أمام منتخب لم يتلقَ سوى هدف واحد في البطولة ومن ركلة جزاء. موقف ذاق مرارته الكثير من الفرق في حقبة ديدييه ديشامب، مدرب فرنسا الذي بمجرد تقدمه يفرض تحصينات خانقة على المنافسين ويمنعهم من الوصول لمرماه بسهولة.
الإسبان لم يصلوا! هم فقط أوصلوا الكرة دون أن يصلوا! وذلك بعد لمحة عبقرية من الصغير الإسباني لامين يامال الذي أطلق تسديدة رائعة لم يتوقعها مايك مانيان بهذه الوضعية فخرج من تمركزه المناسب للكرة ولم يتمكن من اتخاذ الوضعية السليمة للتصدي لمثل هذه التسديدة المفاجئة والتي ذهبت إلى أصعب مكان على حارس المرمى.
جميل هذا التفكير من لامين يامال (16 عامًا) الذي وثق في قدراته بغض النظر عمن يواجههم، وعلم أن التسديد يمكنه أن يكون سلاحًا فعالًا أمام منتخب ينوي الدفاع بقوة وفرص كثافة دفاعية كبيرة عندما يتقدم في النتيجة.
عندما سجلت إسبانيا استفادت من نقطتين مهمتين وهو أن فرنسا لم تعد قادرة على رسم خطة دفاعية للمباراة أما النقطة الثانية فهو زخم الهدف في كل تفاصيله. جمال هدف وروعة التنفيذ، سن من سجله، وركضه على البدلاء الذين استقبلوه بحفاوة بالغة مع لُحمة واضحة لجيل جديد من الكرة الإسبانية يمتلك القدرات لكنه لم يتذوق بعد حلاوة التتويجات، وهو جائع لفعلها.
لذلك استمرت إسبانيا ضاغطةً، باحثةً عن الهدف الثاني الذي لم يتأخر كثيرًا بفعل مهارة ممتازة من داني أولمو داخل منطقة جزاء فرنسا حين راوغ أوريلين تشاوميني وسدد في المرمى مع لمسة غير كافية من جول كوندي لإبعادها عن معانقة الشباك ليفرض أولمو اسمه من جديد كلاعب شرس على المرمى ومفيد جدًا في إثارة الحيرة لدى المنافسين.
فصحيح أن بيدري أكثر تحكمًا في نسق المباراة رفقة ثنائي الوسط الآخر، إلا أن شراسة أولمو وتفكيره في دخول المنطقة باستمرار كان يفيد جناحي إسباني بشكل غير مباشر، فنجم لايبزيغ كان قادرًا على سرقة عين تشواميني وأحيانًا إدواردو كامافينغا ونغولو كانتي ليمنح الفرصة للجناحين للدخول من العمق دون مضايقة سوى من الظهير الذي يحاول اللحاق به، وقد حدث هذا الأمر حتى في الشوط الثاني عندما كاد يامال أن يكرر هدفه من جديد.
تشواميني أمام رودري!
أي مقارنة للاعب ارتكاز مع لاعب وسط المنتخب الإسباني هي ظالمة بأتم معاني الكلمة، لكن مَن قال إن أحدًا يطلب من تشواميني أن يكون رودري؟ الأمريكيون لديهم قول شهير “على الرجل أن يفعل ما على الرجل أن يفعله”، والحقيقة أنه “مطلوب من تشواميني أن يقدم ما هو مطلوب من تشواميني!” أن يكون أكثر شراسة على المستوى الدفاعي فلا يمكن أبدًا للاعب ارتكاز لمنتخب كبير بحجم فرنسا أن تتم مراوغته بهذه السهولة من أولمو في لقطة الهدف الثاني.
أما عن مهامه الهجومية فحدّث ولا حرج عن الدور المبهم للاعب قلما يتخذ قرارًا جريئًا في الملعب وهو أمر شاهدناه كثيرًا رفقة ريال مدريد وأسلنا الكثير من الحبر عنه وهو ما يخبرك بأن المشكلة ليست في ديشامب وحده في هذا الصدد، وربما المشكلة في تشواميني الذي يجعل المدربون يحذرونه من المخاطرة بأي طريقة لأن مخاطره سيئة على الأرجح.
لذلك لم نشاهد تمريرات مفاجئة للمنافس، والأهم هو الفارق بين ما يفعله رودري وتشواميني، فالأول لديه قدرة فذة على أن يتجاوز خط الضغط ويظهر لزملائه ليتحول من لاعب ارتكاز لصانع ألعاب رقم (10) متأخر كما أنه كثير التحرك، بينما تحركات تشواميني مكشوفة جدًا ولا تعدو مجرد أشياء في غاية الروتينية لا تحرك الكثير.
المفارقة أنه سواء كان تشواميني هو من لا يفعل ذلك أو أن ديشامب هو من يطلب منه ألا يتحرك للأمام أحيانًا لخلق زوايا تمرير، فإن فرنسا تمتلك لاعبًا أكثر قدرة على تغطية مثل هذا التحرك من إسبانيا، ففرنسا لديها كامافينغا الذي يلعب أحيانًا كارتكاز ويمتلك من القدرات البدنية التي تكفل له الركض والتغطية خلف زميله، بينما إسبانيا تمتلك فابيان رويز الأقل قدرة بدنية على ذلك مع الأخذ في الاعتبار تقديمه لبطولة رائعة ربما لوجود رودري إلى جانبه كذلك.
هل تشواميني أكذوبة؟ من الصعب الحكم على الأمر حاليًا؛ لكن الأكيد أنه لم يقدم أوراق اعتماده قط، سواء مع فرنسا أو حتى ريال مدريد.
فرنسا تتذوق من نفس الكأس
لذلك كان رودري وجانبه رويز ومن خلفهم خط الدفاع وحتى الحارس المميز أوناي سيمون هم سلاح المدرب لويس دي لا فوينتي لكسر الفرنسيين في الشوط الثاني. ليس لقدراتهم الدفاعية التي أحيانًا تكون في أفضل مستوياتها (راجع مثلًا أداء المدافع داني فيفيان اليوم الذي كان بعيدًا تمامًا عن مستواه لدخوله فجأة من الدار إلى النار رغم تقديمه لموسم رائع مع أتلتيك بيلباو) بل لأن لديهم قدرة فذة على الاحتفاظ بالكرة وحرمان الفرنسيين منها.
فرنسا كانت قادرة على تهديد إسبانيا عندما تنتزع الكرة منهم وفي أكثر من لقطة كان يمكن أن تتحول المباراة إلى (2-2)، إحداها من الخطير كيليان مبابي الذي خلع القناع وقرر القتال عاريا بعد إصابته، لكن تلك اللقطات كانت لتنهمر لو لم يقرر دي لا فوينتي أن هجمة إسبانيا عليها أن تستمر لدقيقتين وثلاث مع دفاع ممتاز بالكرة.
في النهاية تأهل المنتخب الذي حقق نتائج جيدة حاله كحال فرنسا لكن فارق الطريقة والعروض كان يجعل تأهل الإسبان خبرًا سعيدًا، فقد قدموا أفضل كرة قدم في البطولة ووصلوا إلى المحطة التي يستحقونها رغم بعض الثغرات النسبية في تشكيلتهم، بينما سيرحل الفرنسيون وعلى رأسهم ديشامب بعد أداء سيتم نسيانه قبل أن يصلوا إلى باريس.. ربما فيما عدا مباراتهم أمام بلجيكا التي أبلوا فيها بلاءً حسنًا، لكن هذا لم يكن كافيًا.