انحنى الترجي الرياضي للمرة الأولى تحت إشراف مدربه البرتغالي ميغيل كاردوزو، الذي كِيل له المديح على كل لون، قبل تجرّعه مرارة الخسارة الأولى في الدوري التونسي، لتنطلق مباشرة سيوف النقد، التي كانت مُغمدة في الفترة الماضية، حين كانت آلة الفوز تحصد الأخضر واليابس محليًّا وقاريًّا.
وصمد دفاع الفريق إلى حدود الدقيقة الثمانين، قبل أن ينهار في 4 دقائق فقط، ويتكبّد هدفين أمام الملعب التونسي، سقط بسببهما على أرضية ملعب “الهادي النيفر” ضمن منافسات الجولة السادسة من مرحلة التتويج بالدوري المحلي.
وأثارت الهزيمة الافتتاحية لفريق “الدم والذهب” في حقبة كاردوزو -الذي عُيّن خلفًا لطارق ثابت في 12 يناير/كانون الثاني 2024، بعقد لمدة موسم ونصف أي حتى يونيو/ حزيران 2025- الكثير من الجدل بين الجماهير والنقاد الرياضيين، معتبرين أنّ السقوط يخفي بين طياته مؤشرات مقلقة، سنتطرق إليها وإياكم في هذه القراءة.
صن داونز يهزم الترجي في الدوري التونسي
من أهم المحاور الرئيسية التي يمكن تناولها في شكل مسبّبات لتغيّر وجه الترجي في آخر مباراتين، والتي انهزم فيها أمام “الستاد” وتعادل قبل ذلك أمام الصفاقسي 1-1 على ملعب حمادي العقربي برادس بالذات، هو ضعف التحضير الذهني، فقد أسهمت إزاحة صن داونز من نصف نهائي دوري أبطال إفريقيا وبلوغ النهائي بطريقة مقنعة، في المبالغة في الاحتفال، وبالتالي انحدار منسوب التركيز، الذي دفع الفريق ثمنه في قمتين لحساب سباق الدوري.وما لم يتنبّه له الترجي هو أنّ وقت الاحتفال بالمنجزات الظرفية لا يجب أن يطول، لأنّ وتيرة المباريات المتلاحقة ونسقها الجنوني قد تسمح لك بالفوز بجولة، ولكن حتمًا ليس بـ”الحرب” كاملة.
ولئن كان ميغيل كاردوزو متفطّنًا لهذا السيناريو قبل حدوثه، وهو ما يدلّ عليه جوابه لأحد الصحفيين في مطار قرطاج إثر العودة من بريتوريا، عن سؤال يتعلق بالقمة المرتقبة مع الأهلي المصري في النهائي القاري، فكانت إجابة البرتغالي صارمة وواضحة: “لا، لا، أرجوك.. لا تحدّثني عن الأهلي الآن، الأهم لدي حاليًّا مباراة الصفاقسي في الدوري (قبل انتهائها بالتعادل لاحقًا)، ثم سيأتي الوقت المناسب للحديث عن النهائي الأفريقي”.
ولكنّ هذه الإجابة الواقعية من كاردوزو، لا يبدو أنّها وجدت صدى لدى لاعبيه، الذين لم يكونوا في أعلى درجات تركيزهم في الأوقات القاتلة لمواجهة الملعب التونسي، وهو ما كلّفهم التنازل عن نقاط المباراة بشكل دراماتيكي.
كاردوزو في قفص الاتهام “فنّيًّا”.. للمرة الأولى
وبالحديث عن تحديد المسؤوليات، فلوم الجماهير لا يمكن أن يتركّز على مسؤولية اللاعبين فقط، وإنّما لكاردوزو نفسه هامش مهمّ من مسؤولية الخسارة الأولى له هذا الموسم.
أولى الملاحظات الفنية تتعلق بعجز البرتغالي عن إيجاد الحلول، كلّما تعرّض فريقه للظغط العالي في مناطقة، ولاح ذلك بوضوح في قمتي دوري الأبطال ضد صن داونز ذهابًا وإيابًا، حيث عانى الفريق كثيرًا دفاعيًّا واستنجد ببسالة شبله الجديد في الحراسة، أمان الله مميش. كما عجز عن إخراج الكرة من مناطقه بشكل سلس وبناء هجمات منظّمة ومتواترة، والاعتماد فقط على “لسع” المنافس بهجمة مرتدة خاطفة، بناءً على الذكاء البرازيلي المتمثل في تحرك ذكي من رودريغو رودريغيز أو تمريرة ماكرة من يان ساس، وهذا لا يكفي طبعًا، ولكنّ المشكل هو أنّ تحقيق النتيجة المطلوبة يغلق باب النقاش مباشرة وفقًا لمشروعية تحقيق الفوز.
الملاحظة الثانية على المستوى الفني، تتمحور بشأن خطة 4-3-3 بشكلها الهجومي، وهي التي لم تنجح كثيرًا مع كاردوزو في الترجي، ورغم ذلك يصرّ بالاعتماد عليها من حين إلى آخر، ولعب البرتغالي بالرسم المذكور 4 مباريات في الدوري حتى الآن، تعثّر منها في الثلاث الأخيرة، حيث تعادل أمام الاتحاد المنستيري والنادي الصفافسي بذات النتيجة (1-1)، وسقط أمام الملعب التونسي (0-2)، وحقق انتصارًا وحيدًا ضد النادي الإفريقي في الدربي (1-0).
علامة استفهام كبيرة
علامة الاستفهام الكبرى التي بدأت تطفو على السطح في نسخة “ترجي كاردوزو”، وبعد 12 مباراة أدارها المدرب البرتغالي حتى الآن (فاز في 8 وتعادل 3 وخسر 1 وسجّل 15 هدفًا وقبل 6)، هو كيفية إدارته وحسن تصرّفه في مجموعة اللاعبين، التي بدأت تلاقي عديد الانتقادات، في ظل عزوف المدرب عن شرح خياراته.
ومن أهم اللاعبين الذين بدؤوا بإثارة التساؤل بقوة منذ مدة، الثنائي الهجومي محمد علي بن حمودة والمحترف الكونغولي أندري بوكيا، اللذين نالا الكثير من الفرص من دون إثبات أي بصمة، إلى جانب الغرابة وراء تجاهل إمكانات الواعد كيبا سووي، وعدم منح أوغبيلو الفرصة الكاملة وتهميش غيث الوهابي بشكل مفاجئ، هذا الأخير الذي كان أحد أبرز النجوم في فترة طارق ثابت القصيرة.
وفي سياق متّصل، حمّل ثلة من الجماهير والملاحظين كاردوزو مسؤولية الهزيمة أمام الملعب التونسي، بسبب تعويله على لاعبين يفتقدون لإيقاع المباريات، على غرار متوسط الميدان محمد وائل الدربالي والظهير أسامة السهيلي.
سلاح الوقت
المراجعات الفنية وضبط الأوتار التكتيكية للفريق، وإعادة النظر في التحضير الذهني وتحفيز المعنويات، كلها عناصر من الأهمية بما كان يجب توفّرها في الفترة القادمة، التي تزخر بالمواعيد الحاسمة، ما سيحكم على موسم الترجي إمّا بالنجاح أو الفشل.
والجدير بالذكر أنّ الإطار الفني والإداري للفريق مع اللاعبين، عليهم أن يجهّزوا كل ما فات في ظرف وجيز، لأنّه لا مجال لإهدار الوقت، فإيقاع المباريات لن يمنح الراحة في التعامل مع المشاكل بحرية، وهو التحدي الذي سيخوضه مدرب الترجي وطاقمه ولاعبوه انطلاقًا من موعد الكأس على أرض محيط قرقنة بعد غد الأربعاء.
وبعد ذلك، سيكون على الفريق التأهب لاستقبال ضيفه النجم الساحلي في قمة المرحلة السابعة من مرحلة التتويج بتاريخ 12 مايو/ أيار الجاري، حيث سيكون على الترجي المتصدر راهنًا بـ14 نقطة وبفارق 5 نقاط عن أقرب ملاحقيه الملعب التونسي، تحقيق الفوز “حتميًّا” إذا ما أراد الاقتراب أكثر من حلم التتويج بلقبه الـ33 على مستوى الدوري.
تحدي الكأس ومن بعد قمة النجم، سيسبقان أسبوع الحسم في موسم الترجي قاريًّا، حيث سيخوض موعد ذهاب نهائي دوري أبطال أفريقيا المرتقب أمام الأهلي المصري في 18 مايو بتونس، قبل العودة في 25 من الشهر ذاته بالقاهرة.