قلب ريال مدريد الطاولة على ضيفه بوروسيا دورتموند الذي تقدم بهدفين نظيفين، وذلك بعدما أمطره بخمسة أهداف كاملة في شوط المباراة الثاني بفضل تألق نجمه فينيسيوس جونيور، لينتصر حامل اللقب على وصيفه في النسخة السابقة من دوري أبطال أوروبا في المباراة التي أجريت بين الفريقين على ملعب “سانتياغو برنابيو” ضمن الجولة الثالثة من مرحلة الدوري.
وتقدم بوروسيا دورتموند في الشوط الأول بثنائية نظيفة، واستطاع الحفاظ على النتيجة حتى الدقيقة 60 حين استطاع أنطونيو روديغر تسجيل الهدف الأول للريال الذي أضاف الهدف الثاني عبر فينيسيوس بعدها بدقيقتين فقط.
وفي الدقائق العشرة الأخيرة أضاف لوكاس فاسكيز الهدف الثالث، ثم عاد فينيسيوس للتوهج مجددا وسجل الهدفان الرابع والخامس للملكي ليبصم على ثلاثية “هاتريك” في المباراة.
هدوء ثم صاعقة ألمانية
نصف الساعة الأول لم يحمل الكثير من الأحداث، إذ كان مغلقًا إلى حدٍ ما. ريال مدريد حاول اختراق الدفاع الألماني لكن دون جدوى، فالتشكيلة وتوزيع اللاعبين تحمل نظامًا إلى حدٍ ما في ظل وجود لوكا مودريتش في التشكيل الأساسي ومع التزام جود بيلينغهام في خط الوسط، لكن العشوائية كانت هي واقع الأمر مع عدم وجود سياق عام لهجمات الريال.
في المقابل لم يدلِ دورتموند بدلوه في البدايات؛ لكنه بدأ مع الوقت في امتلاك الثقة والشخصية بفضل أداء مميز من جوليان براندت الذي قدم نسخة أكثر نضجًا من ذلك الجناح الذي اعتدنا رؤيته واستفاد من وضع نوري شاهين له في عمق الملعب ليكون قائدًا حقيقيًا للفريق بالتحكم في النسق وإخراج الفريق من أكثر من لقطة صعبة بفضل تمريرات بعيدة المدى تفك محاولات الضغط المدريدي.
كلما مر الوقت؛ تحسن دورتموند وتراجع ريال مدريد؛ لذلك لم يكن مفاجئًا أن يسجل الضيوف الألمان هدف الافتتاح بعد كرة عرضية أرضية نجح الفريق الأصفر في استعادتها من لوكاس فاسكيز لتصل لجيراسي الذي مرر بشكل رائع إلى مالين ليضع الكرة في المرمى.
أخطاء لوكاس فاسكيز تكررت، فقد كان مسهمًا رئيسًا فيه بعدما فقد الكرة عند منطقة جزاء دورتموند ليحاول الارتداد ومسايرة نسق الهجمة التي قادها براندت لتصل لمالين الذي تخلص من ميندي مجددًا لنجد بينو-غيتنس وقد سبق فاسكيز الذي كان مرهقًا من مشوار العودة من الهجمة السابقة ليسجل الجناح الإنجليزي ويصعق المدريديين في عقر دارهم.
كورتوا موجود وملامح الريمونتادا بدأت
خلال محاولات ريال مدريد للعودة كان تيبو كورتوا ينقذ ريال مدريد من هدف ثالث بعد تصديه لتسديدة هائلة من براندت، لكن كانت أبرز أحداث تلك الفترة هي فرصة لا تُصدَّق بعد عرضية من مودريتش روضها رودريغو ثم سددها في العارضة لترتد لبيلينغهام الذي أتبعها بتسديدة أخرى في العارضة في إعلان غير رسمي عن مشروع ريمونتادا قادم.
لكن بخلاف تلك الفرصة كان الشعور العام أن ريال مدريد يقدم مباراة ضعيفة أخرى كحال الكثير من المباريات التي خاضها هذا الموسم سواء على الصعيد الهجومي أو الدفاعي.
الريال لم يقلب الطاولة بل حطمها تحطيمًا!
الشوط الثاني شهد عدة تحركات من مدربي الفريقين، أولها إعادة أنشيلوتي ترتيب لاعبيه بعدما أعاد بيلينغهام ليسار الوسط، وكذلك تكثيف عدد اللاعبين في كل هجمة تقريبًا أملًا في محاصرة أكثر قوة لدورتموند.
لكن مساعدة غير متوقعة أتت من الجانب الآخر حيث قرر نوري شاهين ضغط زر التدمير الذاتي، فبينما كان يحاول فريقه عدم الركون إلى الدفاع ومنح الفرصة لريال مدريد المعروف بقوة المحاصرة، خاصةً في هذا الجانب من الملعب حيث يحضر أكثر جماهيره شراسةً في “برنابيو”، إذ بالمدير الفني للفريق الألماني يقرر إخراج المزعج غيتنس وإشراك والدمار أنتون، متخيلًا أن ذلك التبديل سيحد من مخاطرة أنشيلوتي برفع تمركزات المزيد من العناصر للأمام كما فعل مثلًا مع لوكاس فاسكيز الذي كان دوره واضحًا بتثبيت رامي بن سبعيني وإبعاده عن رودريغو على الطرف، فرأى شاهين أن دفاعًا خماسيًا من شأنه أن يجهض تلك الفكرة لأنشيلوتي.
لكن شاهين بذلك التغيير قضى على أهم نقطةٍ ارتكز عليها دورتموند في الشوط الأول باستغلال ضعف الجبهة اليمنى المدريدية بعدما أخرج غيتنس ووضع براندت على الطرف ليدمر استغلال تلك الجبهة مع عدم وجود جناح سريع أرهق فاسكيز كثيرًا في الشوط الأول، بل خسر المدرب التركي جهود براندت في عمق الوسط رغم أنه كان عقل الفريق بحق في شوط المباراة الأول.
يمكن ملاحظة تمركز فاسكيز العالي جدًا في الشوط الثاني في لقطة الهدف الأول التي صعد فيها روديغر كذلك ليقوم فاسكيز بإمساك أقرب المدافعين لروديغر الذي تُرك وحيدًا تمامًا ليستغل عرضية مبابي ويطلق رصاصة رأسية مشعلًا سباق الريمونتادا.
ولأنها عادات الريال، فإنه في الطريق كان المزيد من سيناريوهات تسجيل هدفٍ ثانٍ سريع كما حدث مع خوسيلو أمام البايرن وبنزيما أمام باريس وغيرها، ليتحرك مبابي بشكل ذكي ويتلقى تمريرة الوداع من لوكا مودريتش لتصل الكرة المرتدة إلى فينيسيوس الذي لم يهدر الفرصة دون تسجيل.
شاهين مجددًا.. كورتوا مجددًا ثم فينيسيوس شو!
واصل نوري شاهين تقديم ألغاز تكتيكية في هذا الشوط بعدما أخرج جناحًا آخر هو مالين ليصبح الفريق بلا أي سرعة في المرتدات مشركًا باسكال جروس في عمق الوسط، وقد تخيّل معه أن هذا ما سيوقف جحافل مدريد التي كانت قد اكتشفت كلمة سر الدفاع الألماني وسنّت أنيابها!
ولأنه ريال مدريد كذلك، فإن الريمونتادا لم تخلُ من إسهام كورتوا مجددًا ليتصدى لكرةٍ كان الاستهتار الألماني فيها في أوجه، ويا له من مصطلح! فالاستهتار الألماني كان حاضرًا في كثيرٍ من المباريات أمام أكثر الفرق جدية في مثل هذه الأوقات ريال مدريد، كما حدث مع بوروسيا مونشنغلادباخ من قبل، وكذلك شتوتغارت في الجولة الأولى من هذه النسخة ليتصدى الحارس البلجيكي لكرة خطيرة جدًا كادت تخمد نيران البرنابيو المشتعل.
نفس الجبهة التي كانت ثغرة كبيرة على ريال مدريد في الشوط الأول كان الحل منها في هدف التقدم بعد عمل بدني كبير من رودريغو ليتلقى لوكاس فاسكيز الكرة ويصالح الجماهير على ما فعله في الشوط الأول.
ثم جاء موعد فينيسيوس شو! لكن قبل ذلك الموعد كانت هناك لمسة أخرى من نوري شاهين بعدما أخرج ظهيره الأيمن رييرسون ليقرر أن إيمري تشان سيكون هو الحل لإيقاف الأسمر البرازيلي! مع تدخل دفاعي من بيلينغهام الذي ضحّى بدنيًا كثيرًا في تلك المباراة كان إيمري تشان يخسر الكرة ويركض لاهثًا خلف فينيسيوس الذي تخلص منه ثم من بطيء آخر هو سولة ليطلق تسديدة أرضية سكنت الشباك وأشعلت الأجواء لم يتمالك معها فينيسيوس سعادته فيها ليخلع القميص معلنًا القضاء على دورتموند.
ليلة فينيسيوس السعيدة لم تكن لتكتمل دون “الهاتريك” ليستمر الشو ويتجاوز أنتون هذه المرة ويطلقها يسارية في سقف المرمى لينهي شوطًا ثانيًا خياليًا لريال مدريد صالح به جماهيره قبل موعد الكلاسيكو المنتظر.