يعيش منتخب فرنسا حالة من الاستنفار والأجواء المشحونة، قبيل ساعات على افتتاح مشواره القاري في بطولة كأس أمم أوروبا 2024، التي تقام في ألمانيا من 14 يونيو/ حزيران الجاري وحتى 14 يوليو/تموز المقبل.
ويستعدّ زملاء القائد كيليان مبابي لدخول مغامرتهم الحادية عشرة في مجموع 17 نسخة سابقة للحدث الكبير، بمواجهة مرتقبة أمام النمسا على أرضية “ميركور شبيل أرينا” بدوسلدورف، انطلاقًا من الساعة العاشرة بتوقيت مكة المكرمة.
ويأمل منتخب فرنسا في تحقيق انطلاقة جيدة خلال منافسات مجموعته الرابعة، التي تصدرتها أمس هولندا بعد فوزها الصعب على بولندا بنتيجة (2-1) في افتتاح لقاءات المجموعة أمس الأحد.
وبينما يتأهب المدرب ديدييه ديشامب لوضع اللمسات الأخيرة قبل لحظة الحقيقة، عرف معسكر “الديوك” جدلًا مفاجئًا في غير أوانه بسبب بعض القضايا السياسية في الداخل الفرنسي، مما أدخل الارتباك على أجواء المنتخب قبل هذه البطولة المهمة.
هل يتّعظ منتخب فرنسا من الدرس الألماني؟
بطريقة ما وجد بعض نجوم “الزرق” -وأبرزهما كيليان مبابي وزميله في الخط الأمامي ماركوس تورام- أنفسهم في دوامة جدلية، بسبب الكشف عن موقف سياسي من الانتخابات النيابية القادمة، ودخولهما في صراع مع “اليمين المتطرف” الفرنسي.
ويبدي مبابي مساندة قوية ودعمًا غير مشروط لتورام الذي يشدّد على ضرورة إدانة ظهور التطرف من خلال الدفاع عن قيم التنوع والتسامح، وهو ما أدخل اللاعبين في حرب “شبه علنية” مع الحزب المتطرف، الذي يتّهم مبابي صراحة بـ”تفتيت البلاد” على حد تعبيره.
وفي خضمّ كل هذه التطورات، فضّل المدرب ديشامب تخفيف حدة التوتر من خلال التركيز على الجانب الرياضي، الأهم في هذه الفترة، معتبرًا أنّ مبابي وتورام كغيرهما من الموجودين داخل “عائلة المنتخب”، هم “نجوم رائعون، ولكنهم أيضًا مواطنون فرنسيون”، في إشارة إلى حقهم في التعبير عن موقفهم.
الجدل الفرنسي الكبير قبيل الضربة الأولى للديوك في “اليورو”، يعيد للأذهان ما حدث لمنتخب ألمانيا عند بداية مونديال قطر 2022، حين “تجنّدت” كل مكونات الكرة الألمانية من لاعبين وإطار فني واتحاد، للخوض في موضوعات بعيدة عن كرة القدم، وهو ما أدخلهم في صراعات مع الاتحاد الدولي لكرة القدم، مما أثّر في أجواء المنتخب الذي تكبّد كارثة الإقصاء من الدور الأول.
وعلى الرغم من أنّ حادثتي ألمانيا وفرنسا ليستا متشابهتين من حيث الأصل، غير أنّهما تشتركان في إمكانية التأثير على أجواء المنتخب خلال البطولة، فهل يسقط الفرنسيون في فخ الألمان أم يتّعظون من الدرس؟
مبابي يثير الجدل
لا شكّ أنّ لموضوع إبداء كيليان مبابي لمواقفه السياسية، معالجات عدة من زوايا شتّى، فلكلّ رأيه الذي يختزن قدرًا من الوجاهة، غير أنّ المؤكد بأنّ رمزية مبابي كقائد في منتخب فرنسا وأيقونة للكرة هناك، يضع على عاتقه مسؤوليات أكثر جسامة من غيره، على مستوى الأقوال والأفعال.
دخول مبابي في هذا الجدل السياسي، قبيل سويعات من حدث بضخامة “اليورو” صنفه متابعون في خانة “الهفوة” أو “طيش الشباب” لصاحب الـ25 عامًا، فالنجم المستقبلي لنادي ريال مدريد اندفع لنُصرة قضية جوهرية بالنسبة له من منطلق كونه “مواطنًا عاديًا” بعيدًا عن هالة النجومية وتأثيره البالغ في شريحة واسعة من المجتمع الفرنسي، وهو ما ألصق به تهم “تفتيت الفرنسيين”.
الهدف الأسمى
حال منتخب فرنسا من حال نجمه وقائده كيليان مبابي، حيث سيكون شغلهما الشاغل، بلوغ الهدف الأسمى، والأكثر إلحاحًا بالنسبة لنجم “البي.أس.جي” السابق، ألا وهو إحراز لقب كأس أوروبا للمرة الأولى في تاريخه، فهو اللقب الذي ما يزال ينقص خزائنه، بعد حصد لقب المونديال خلال 2018 في روسيا.
وبعد مشاركة أولى مخيبة لمبابي في يورو 2020 توقفت عند حدود سويسرا في دور الستة عشر، يأمل النجم الفرنسي، الذي أصبح أكثر نضجًا وتأثيرًا في تشكيلة “الزرق”، معانقة لقبه الأوروبي الأول.
وغير بعيد عن طموحات مبابي، يهدف منتخب فرنسا إلى كسر النحس مع اليورو ورفع اللقب لأول مرة بعد 24 عامًا، وإضافة الكأس الثالثة لخزائنه بعد عامي 1984 و2000، ورغم صعوبة المهمة فإنها تبقى ممكنة في ظل وجود جيل فرنسي مميز، لا ينقصه سوى تربة خصبة تُزرع فيها بذرة النجاح.